الجمعة 23 مايو 2025 06:42 مـ 25 ذو القعدة 1446 هـ
بوابة صوت الصعيد
رئيس مجلس الإدارة محمد رفيع رئيس التحرير محمد عبد اللاه
×

المواطنة وعلاقتها بالقيم والتربية

الجمعة 20 أبريل 2018 05:33 مـ 4 شعبان 1439 هـ
أحمد سعد جريو
أحمد سعد جريو

تعد القيم أحد الجوانب المهمة التي تركز عليها العملية التربوية، حيث إن التربية في جوهرها عملية قيمية، فالتربية تسعى في أسمى أهدافها إلى غرس القيم لدى المتعلمين، وذلك على تنوع مجالات القيم النفسية والاجتماعية والخلقية والفكرية والسلوكية.

وقد تعددت وجهات نظر الباحثين في تناول مفهوم القيم حيث عرفها البعض بأنها : " مجموعة من المثل العليا والغايات والمعتقدات والتشريعات والوسائل والضوابط والمعايير لسلوك الفرد والجماعة ".

وعرفها بعضهم الآخر بأنها " مجموعة من المعايير والغايات التابعة عن العقيدة الإسلامية ، التي توجه سلوك الفرد والمجتمع ، تهدف إلى ارضاء الله تعالى، للحكم على الأفكار والأشخاص والأنماط السلوكية والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقبحها والرغبة والالتزام بما لها من القوة والتأثير عليهم ".

ويتضح من التعريفات السابقة للدراسة الحالية أن القيم مجموعة من الأحكام التي تضبط سلوك واتجاهات الفرد وتتفق مع رؤية ونظام المجتمع وتقاليده وهذه الأحكام تستمد من طبيعة البشر وتشتق من العقائد السماوية التي تنظم حياة البشر بما يضمن لهم السلامة وتحقيق الرخاء. وأن أهمية القيم تزداد بشكل واضح في العصر الحالي حيث أصبح التغير فيه سريعاً، وأصبح العالم قرية صغيرة منفتحة على بعضها بعضاً ، والانفتاح فيه غير محدود بحدود ، مما أثر على قيم معظم المجتمعات وهويتها خاصة المجتمعات الفقيرة والمنغلقة على نفسها ، الأمر الذي يقتضي معه تدخل المؤسسات التعليمية والتربوية بوضع أهداف محدده لغرسها وتنمية القيم التي تحفظ للمجتمع كيانه وهويته.

وقد تعددت تصنيفات القيم : فمنها القيم الاقتصادية ومنها أيضًاً القيم الاجتماعية والقيم الاخلاقية، والقيم الدينية، والقيم السياسية .... أما قيم المواطنة فهى تمثل السلوكيات التي يكتسبها الشباب لتنمية شخصياتهم من جميع الجوانب التربوية والتعليمية والاجتماعية والسياسية فتجعله إيجابيا يدرك ماعليه من واجبات فى المشاركة المجتمعية واحترام الأنظمة والقوانين واحترام الرأى الآخر وقبوله والمعاملة الإنسانية لأقرانه والتسامح معهم وقبول الآخر المختلف عنه، والمحافظة على البيئة بحيث تكون نظيفة والمساهمة فى تجميلها والتنافس الحر الشريف للنجاح والتقدم ومالهم من حقوق فى الحياة الحرة الكريمة والتعبير عن آرائهم بحرية وحمايتهم من الاضطهاد والاساءة ومن ثم نجعلهم يحبون وطنهم ويدينون له بالولاء والانتماء ويتفانون فى خدمته ويضحون بأنفسهم فى سبيل ذلك عند الضرورة، ومن ثم تصبح قيم المواطنة قيماً ذاتية ومكوناً من المكونات الشخصية لدى الشباب.

التعليم والمواطنة :

تعد تنمية المواطنة من السبل المهمة لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، حيث إن التقدم الحقيقي للوطن في ظل تحديات القرن الجديد مستجداته تصفه عقول وسواعد المواطنين، فإن اكسابهم قيم المواطنة تعد الركيزة الأساسية للمشاركة الإيجابية والفعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولما كانت مؤسسات التعليم هي المصنع الحقيقي لإعداد الطلاب وتأهيلهم للانخراط الفعال في المجتمع، لذا يجب أن تتحمل الجانب الأساسي في إرسائهم قيم المواطنة وممارستها وتنميتها من خلال التعليم ؛ فمؤسسات التعليم تتحمل الجزء الأكبر من مسئولية بناء وتطوير منظومة المواطنة بالعمل الجاد الهادف إلى حسن إعداد النشء تعليمياً وتربوياً من خلال منظومة تعليمية متكاملة ومتطورة.

وقد أشارت دراسات عديدة إلى دور التعليم في غرس القيم الديموقراطية ، وتدعيم المشاركة السياسية ، ومن ثم الإسهام في تنشئة المواطن الديموقراطي المشارك في شئون وطنه والراغب في التأثير فيها ، حيث أن هناك ثمة علاقة إيجابية بين التعليم والتسامح السياسي ، وأنه يمكن تدعيم التسامح حتى في تلك الحالات التي يكون لدى الشخص مشاعر سلبية إزاء جماعة ما.

ويسهم التعليم في تربية النشء عن طريق أربع آليات هي:

1ــ المقررات الدراسية : خصوصاً مقررات التاريخ والتربية القومية بالإضافة إلى كتب اللغة والتربية الدينية.

ويميز بين نص تعليمي يستهدف إيجاد المواطن الصالح الذي يهتم بقضايا وطنه ، ويشارك بفاعلية في الحياة العامة ، وبين نص تعليمي يستهدف التربية الأيديولوجية أو مذهباً معيناً يخلع الشرعية على نظام سياسي ما ، والمألوف أن نخرج المقررات في أي بلد من هذين النوعين من النصوص بدرجات متفاوتة.

2ــ دور المعلم في التنشئة : يمارس المعلمون بفعل اتصالهم اليومي المباشر بالطلاب دوراً عمومياً في التنشئة سواء من خلال توصيل المعلومات أو تحسين وتنظيم سبل التفاعل بين الطلاب ، وحفز قدراتهم على الإنجاز.

فكلما كان المعلم صالحاً في مادته العلمية وقريباً إلى قلوب طلابه ، وكلما كان مؤمناً بقيم النظام السياسي وملتزماً بها في تصرفاته ، كلما كان أكثر قدرة على غرسها في نفوس الطلاب والعكس صحيح.

ويعد المعلم هو رأس الحربة في عملية التنشئة السياسية المدرسية بما لديه من علم، وما يؤمن به من قيم، وما يتبعه من أساليب تدريس والتعامل مع الطلاب، فالأداء الجيد للمعلم يمكن أن يعوض الفقر في مضمون المقرر، مثلما أن شراء المضمون يمكن أن يهدره فقر أدائه.

3 ــ التنظيمات المدرسية والأنشطة الطلابية : فلكل مدرسة تنظيمها ومجموعاتها الاحتوائية، ويتوقف نمو إحساس الطلاب بالاقتدار الذاتي والانتماء الجماعي، على إمكانية انضمامهم إلى هذه الهياكل، ومدى اسهامها فعلاً في إدارة المدرسة.

كما أن المدرسة تشجع الطلاب على مزاولة أنشطتها الفنية والرياضية والثقافية لتفجر الطاقات الإبداعية ، وتنهي مهارات المشاركة وتغذي قيم الإنتماء والجماعة والثقة بالنفس، وبالمقابل قد تكون البيئة المدرسية مصدراً للإحباط والخمول والسلبية.

4 ـــ الطقوس المدرسية : مثل تحية العلم وترديد النشيد الوطني، والاحتفال بالأعباء القومية، فهذه الممارسات الطقوسية تساعد على بث القيم المرغوبة في نفوس النشء، كما تكرس الطابع الجمعي لحب الوطن والانتماء إليه لكونها تمارس بطريقة جماعية غالباً.

ومن ثم فإن مفهوم المواطنة الذي يجب أن تسعى المؤسسات التعليمية لغرسه في نفوس طلابها يشتمل على مجموعة من الخصائص والسمات التي تجعل الطلاب يتسمون بما يلي:

• القدرة على تحمل المسئولية والمشاركة ، وممارسة الاعتماد المتبادل ويتصفون بروح التطوع.

• لديهم معارف ومهارات تمكنهم من السعي لحل المشكلات التي تواجههم في الدراسة وفي الحياة بأسلوب علمي.

• القدرة على ممارسة التفكير الناقد ، واتخاذ قرارات حول قضايا عصرية وجدلية تواجه المجتمع.

المدرسة وتعليم المواطنة:

هناك عدد من المبررات التي تجعل للمدرسة دور في تنمية المواطنة يمكن أن نوجزها فيما يلي:

• أن المدرسة تمثل بنية اجتماعية ووسطاً ثقافياً له تقاليده وأهدافه وفلسفته وقوانينه التي وضعت لتتعايش وتتفق مع ثقافة وأهداف وفلسفة المجتمع الكبير والتي هي جزء منه، تتفاعل فيه ومعه وتؤثر فيه وتتأثر به بهدف تحقيق أهدافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

• أن المقررات الدراسية إلزامية يدرسها كافة التلاميذ، ولذلك تعد أداة مهمة لتحقيق التواصل الفكري والتماسك الاجتماعي في المجتمع.

• تعد المدرسة من المؤسسات الرسمية التي توظفها السلطة السياسية في سبيل نشر القيم العليا التي تبتغيها لدى الطلاب.

• احتوائها للفرد فترة زمنية طويلة سواء أكان ذلك بالنسبة لليوم الدراسي أما بالنسبة للعام الدراسي أو بالنسبة لعمر المتعلم، فتؤثر فيه وتعدل من سلوكه، إضافة إلى إكسابه المعلومات المختلفة التي تساعده في حياته.

الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة :

لا يوجد اتفاق بين المجتمعات حول الأساليب التي يجب أن تعطي لأي من أهداف النظام التعليمي ، هل تكون الأولوية للأهداف الإدراكية " المعرفية " التي تعنى بتعليم الأفراد المهارات والمعارف ؟ أو تكون للأهداف القيمية التي تعنى بإعداد الأفراد لكي يكتسبوا المواطنة ، وإيجاد مواطن يحتفظ بقيم صحيحة للمشاركة في حياة المجتمع أو تكون لأهداف التنشئة الاجتماعية التي تحاول أن تجعل الأفراد أكثر توافقاً للدخول في علاقات شخصية متبادلة مع الآخرين.

وبالنظر إلى جميع النظم السياسية يتضح أنها تسعى بشكل أو بآخر من أجل تحقيق درجة قصوى من الانسجام السياسي بين مواطنيها ، وتبرز التنشئة السياسية كموضوع رئيسي يمتد من التربية الوطنية في العالم الغربي ، إلى مفهوم تدريب الشخصية في النظم الاشتراكية السابقة ، وإلى مفهوم التوجيه والإرشاد الروحي في الأنساق السياسية الكاريزمية ، وفي كل الحالات تتحكم في العملية عدة متغيرات أهمها المواقف والأهداف والولاءات تجاه السلطة السياسية ، وقد حرصت مجموعة الدول الاشتراكية قبل التحولات الضخمة التي بدأت في الثلث الآخير من عام 1989 م على التأكيد على أن التعليم بها يستهدف خدمة النظام السياسي ، فعلى سبيل المثال كان الغرض الرئيسي للنظام التعليمي في تشيكوسلوفاكيا هو الاهتمام بفكرة المدرسة السياسية لتربية الشباب على القيام بدور نشيط في بناء دولة شعبية ديموقراطية ، إما في يوغوسلافيا فهدفه تمكين الأجيال الصغيرة من المساهمة في التنمية المستمرة لقوى الانتاج ، وتقوية الروابط الاجتماعية ، وتربيتهم على روح الولاء لوطنهم ، ويؤدي تدريس التربية الوطنية دوراً أساسياً في بث الروح الاشتراكية في هذه المجتمعات ، فكان الهدف من تدريسها في رومانيا هو التأثير في أخلاقيات الشباب وإعدادهم بشكل إيجابي للاشتراك في نسيج المجتمع الاشتراكي وتهدف التربية الوطنية في ألمانيا الشرقية إلى تزويد الطلاب بالمعرفة التاريخية والسياسية للتعرف على قوانين التطور الاجتماعي.

ومن هنا يتضح أن ثمة حقيقة مهمة هي أن إمكانية النظم التعليمية ودورها في نقل القيم والمعتقدات السياسية لاتختلف من مجتمع إلى آخر ، إلا في جانب واحد وهو ما يطلق عليه التغذية الراجعة التي يمكن من خلالها أن يؤثر الطلاب في النظام السياسي والقيم الموجودة به .

ومن هنا يتضح أن هناك اتفاقا عاماً بين المختصين على أن تحقيق المواطنة الصالحة يمثل الهدف الرئيسي للنظام التربوي في كل الدول ، مما أدى بها للاهتمام بالتربية الوطنية ، وكان هذا الاهتمام يتفاوت من دولة إلى أخرى ، وعلى ضوء ذلك يجب التأكيد على دور المدرسة في تنمية المواطنة الصالحة والفعالة.

كيف نتعلم المواطنة :

يمكن أن نتعلم المواطنة عن طريق ثلاثة مناحي :

المنحى الأول : يمثل مرحلة الطفولة المبكرة عن طريق التمييز بين الصواب والخطأ من خلال تعليمهم أهمية القيم العالمية كاحترام الأختلاف مع الآخر.

المنحى الثاني : يتضمن تدريب الشباب على كيفية المواجهة والتحدي والتغلب على الصراعات السياسية والنفسية والاقتصادية والعرقية والجنسية ، سواء داخل المجتمعات أو المجتمعات الأخرى عند القيام بزيارتها.

المنحى الثالث : ويمثل تشبع الشباب بقيم الانتماء والمواطنة حتى يكون هناك وعي نقدي وثقافي يتمثل في سلوكهم وفي ذكائهم عن قيم وطنهم ومكتسباتهم ومن العلاقة الإيجابية بين قيم الدين والسياسة والجمال والاقتصاد والعقلية وبين جوانب انتماء الشباب للمجتمع أو من خلال المناخ الأسري.

مشكلات تعليم المواطنة والعوامل المؤثرة في ضعف قيم المواطنة :

أولاً : ــ مشكلات المواطنة :

 برزت العديد من المشكلات حول المواطنة كان من أبرزها :

• عدم التزام المواطنين ومشاركتهم في عمليات المجتمع الديموقراطي واللامبالاة بالشئون السياسية .

• عدم إخضاع المسئولين للمساءلة .

• انتشار أنماط التمييز داخل المجتمعات بسبب الجنس أو اللون أوالدين أو الأصل الاجتماعي أو العرقي أو الإثنى .

• انتشار أنماط التمييز تجاه الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع .

• العولمة وما سببته من مشكلات وإيجاد أنماط جديدة من العمل والهجرة .

وقد برزت مشكلة التمييز بشأن المهاجرين واللاجئين والمقيمين مؤقتاً وزيادة حد الفقر والمتضررين من التحول إلى آليات السوق أدت إلى فقدان هؤلاء المواطنين من الإحساس بفقد المواطنة الاجتماعية في داخل مجتمعاتهم نتيجة لعدم تمتعهم بالمستوى المعيشي الملائم أو بالعناية الصحية أو بكفالة التعليم أو الحق في العمل وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

ثانيا : ـــ عقبات ترسيخ المواطنة :

تتعدد العقبات التي تحول دون ترسيخ مفهوم المواطنة منها :

1- الدولة حديثة العهد بنشأة الدولة القومية تحاول التأكيد على واجبات المواطن نحوها ولا تهتم كثيراً بالحقوق لأنها في مرحلة البناء تتميز بالطابع القهري وسيادة الطابع الأبوي .

2- غياب تداول السلطة وسيطرة البيروقراطية والانفراد بالقرار وانتشار الفساد دون مساءلة وهذه السلبيات تؤدي دوراً في اختزال المواطنة .

3- احتكار القلة لقدرات المجتمع السياسية والاقتصادية يؤثر على المواطنة من جانبين ، لأنه يدفع إلى ما يمكن أن يسمى المواطنة غير المتوازنة حيث يحصل بعض أفراد المجتمع على امتيازات كثيرة دون القيام بالواجبات المقابلة ، الأمر الذي يدفع إلى ممارسة الفساد والإفساد ، ومن ناحية أخرى فإن استئثار القلة بمقدرات الوطن يدفع الآخرين المحرومين من هذه المقدرات إلى حالة من السخط وقد يتراكم فيقلص رابطة غالبية المواطنين بالوطن ، مما قد يدفعهم إلى الانزواء بعيداً عن هامش المجتمع وينشأ ما يسمى المواطنة الناقصة.

ثالثا : ــ العوامل المؤثرة في ضعف قيم المواطنة :

هناك عوامل متنوعة تسهم في ضعف قيم المواطنة خاصة عند الشباب نوجزها في الآتي :

• اهتزاز النسق القيمي .

• البطالة لدى الشباب .

• الاتجاه نحو الفردية والنرجسية .

كما تتنامى ظاهرة الشخصيات العامة العالمية الهيئة على حساب قيم المواطنة بفعل العولمة الزائفة وارتباط المصلحة والمنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة .

وأن هناك عدداً كبيراً من الشباب فاقدي الالتزامات وقيم المواطنة وشفافيتها وعدم الحفاظ على الممتلكات العامة وتحمل مسئولية المواطنة ، لذا يجب الاهتمام بتربية الشباب من أجل تعليم ونشر قيم وثقافة المواطنة لديهم.

رابعا : ـــ المعوقات التي تواجه المدرسة في تعليم المواطنة :

توجد العديد من الظواهر السلبية بدأت تنتشر بين الشباب كالمبالاة والعزوف عن المشاركة السياسية والاجتماعية والهجرة وانخفاض معدلات الإنتاج وغير ذلك من ظواهر يرجعها بعض المثقفين إلى عدم انتماء الشباب للبلد.

ويرى البعض أن المشكلات السلوكية لدى طلاب التعليم الثانوي تتمثل في أن الثقافة التي يحملها الشباب المصري لم تعد قادرة على التصدر للمثيرات القوية التي تحملها الثقافة الغربية نظراً لبعض القيم الأصيلة وفقدان الحماسة للمؤسسات الاجتماعية وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية ورغبتها الشديدة في إشباع حاجاتهم بغض النظر عن شرعية هذه الحاجات وانحراف بعض الطلاب إلى النموذج الغربي للسلوك وخاصة في الجوانب المظهرية مما جعل الشباب في بعض الأحيان مسخ لا هوية لهم.

وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن بعض قيم المواطنة تضعف من جيل إلى جيل وأن الكبار يعجزون في توصيلها للأجيال الجديدة مما يلقي بالعبء الأكبر على التعليم من أجل إكسابهم صفة المواطنة وكيفية المشاركة السياسية بشكل نشط مما يجعل الأجيال الجديدة قادرة على صنع الحاضر والمستقبل .

وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن " دور المدرسة الآن ينحصر في إكساب الطلاب مجموعة من المعارف والعلوم التي تحدد مستواهم في المراحل المختلفة وتتحدى لدرجة المعرفة على نوع الشهادة التي يحصل عليها الطلاب وذلك الأمر أدى إلى إغفال قيم المواطنة ، فدور المدرسة انحصر في ظل الصراع الاجتماعي في الأسرة المصرية نحو الدفع بأبنائها للحصول على الشهادات وعلى الدرجات المرتفعة التي يحققون من خلالها أنواع تعليمية اعتمدها المجتمع بوصفها متميزة . حيث إن أنواع التعليم هي التي تحدد فرصة العمل التي يلتحق بها الطالب بعد تخرجه فمثلاً خريجو الجامعة الأجنبية والجامعات الاستثمارية الخاصة يستطيعون أن يحصلوا على فرص عمل متميزة في المجتمع قد لا تتوافر أمام خريجي الجامعات الأخرى .

وتوجد العديد من العوامل التي أدت تدريجياً إلى تضاول دور المدرسة في نشر ثقافة المواطنة وهي:

• تحول أغلب المدارس إلى مجمعات تقوم بتخريج أفواج جديدة من النشء وفقاً لقوالب تعليمية لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل.

• أهمل نظام التعليم في المدارس التركيز على أهم المجالات الأساسية للتعليم في مجال تدريس التاريخ القومي والتعليم الديني .

• شيوع ظاهرة الدروس الخصوصية الأمر الذي طغى على الواجب التربوي في المدرسة .

• اختفاء التربية البدنية المدرسية حيث تقلصت الملاعب الرياضية وذلك لقصور الاعتمادات المالية لإنشاء هذه الملاعب وصيانتها أو التوسع في الانشاءات والمباني للفصول الدراسية الجديدة على حساب الملاعب الرياضية القائمة .

ولا يخفى على أحد أن النظم التعليمية المختلفة والموجودة بالمجتمع المصري تختلط فيها تشكيلات الإنسان المصري ما بين مواطن ليهتم باكتساب المعارف والمهارات والقدرات اللغوية الاجنبية والتكنولوجية مما تتطلبه السوق العالمية وفروعها المحلية حرصاً على التحلي بقيمها وأخلاقياتها وفي التحاقه بهذا المجال من العمل فيصبح انتمائه بهذه المواقع ومطالبها وسياستها وتوجيهاتها، وبين مواطن من خريجي التعليم الحكومي الذي يتطلع إلى الهجرة إلى أي بلد غربي رأسمالي أو عربي نفطي وبين مواطن مستغرق في إنكار ثقافة مجتمعه ناقماً عليها راغباً في العودة بها إلى ثقافة متخيلة نماط كله أمجاد وصلاح فاقداً الأمل في المستقبل ، وبين مواطن مغترب عن عالمه الواقعي وعما يضطرب فيه من أحداث عازفاً عن المشاركة في أي نشاط مجتمعي ، وبين مواطن مكتف بذاته لا يشارك في فكر أو فعل وهؤلاء من المواطنين الحرفيين أو الإداريين.

لقد أصبح التعليم في بنيته وتوجهه هو تعليم في جوهره ضد المواطنة ويتسم بأنه تعليم طبقي حيث توجد أنواع وأنماط من التعليم وطبقات وشرائح مختلفة من المجتمع ومن هنا فإن الفرصة التعليمية غير متكافئه وترتبط بالقدرة الاقتصادية فمن يملك المال يستطيع أن يحصل على خدمة تعليمية في ضوء ما يقدم بشكل أفضل وليس مثل غيره الذي لا يقدر على دفع هذه التكلفة ومن هنا ازدادت طبقية التعليم في السنوات الأخيرة وهذا ما يتنافى مع حقوق المواطنة . حيث أصبح التعليم سلعة تباع وتشترى وذابت في مناهجه وأجواء تعليمه قضية المواطنة ومقومات الانتماء والتماسك الاجتماعي الوطني حيث أن غالبية تعليمنا وهو الحكومي تعليم للفقراء بموارده الفقيرة يخلف مالا يقل عن 30% من الأميين الكبار.

من العرض السابق يتضح انه توجد مجموعة من القوى والعوامل التى أدت إلى تضاؤل وضعت الدور التربوي للمؤسسات التربوية المختلفة البعض منها يرجع إلى السياسة التعليمية التى تغيرت جذريأ في الفترات السابقة ، ويرجع لبعض الآخر منه إلى إهمال تدريس المقررات التي تتناول الديمقراطية وتدعيمها بشكل واضح ، وقلة الأنشطة الطلابية والاهتمام بها في تلك المؤسسات.

 

** عضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة.