النظرية السيمائية

بقلم: د. محمود العبد حسن
يقول أهل العلم إن الأسئلة ترى ، أما الأجوبة فعمياء !! ، لذلك سنتساءل جميعا ، هل جربت يوما أن رأيت مدرسا يوبخ طالبا بعينه لسرحانه في درسه ، وهل صادفت يوما أن سألك أحدهم وأنت مهموم لماذا أنت مهموم اليوم ؟
ما السر والسبب في أننا نثق ونطمئن للبعض دون الآخر برغم اننا نلتقيهم صدفة، وفي وقت واحد ، ما السر في قبول سيدنا موسى دفع المهر المبالغ فيه ليتزوج ابنة سيدنا شعيب ، ما هو الدافع والمحرك لأمنا الفضلى السيدة خديجة لتخالف عادات وتقاليد مجتمعها وتجد الشجاعة في أن تخطب محمد (صلى الله عليه وسلم) ،
إن الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها هي النظرية السيمائية ، أو ما يطلق عليه علم الفراسة ، وهي علم الاستدلال بالظاهر على الباطن ، لا توجد أي أدلة على أن مهارات الفراسة حقيقية ويمكن اكتسابها ، بالرغم من أن كثير من الدراسات الحديثة دلت على أن تعابير وجه الإنسان يمكن أن تكون نواه ، يمكن من خلالها معرفة أسبار وغور الشخصية ، والعرب قالت ذلك قديما ، وظهر ذلك في اشعارهم فهذا أحدهم يقول : " فالعين تنطق والأفواه صامته ...حتى ترى من صميم القلب تبيانا " .
ويقول آخر : " إن العيون لتبدي في نواظرها ...... ما في القلوب من البغضاء والمحن " .
ويحكى أن محمد بن الحسن والشافعي اذا هم جلوس في صحن الكعبة ، فمر رجل فقال أحدهم تعال حتى نزكن – أي نتفرس – على هذا الآتي ؛ أي حرفة معه ؟ فقال أحدهم : خياط ، وقال الآخر نجار ، فبعثا إليه فسألاه : فقال كنت خياط وأنا اليوم نجار !! .
النظرية السيمائية هي ما تعرف اليوم بلغة الجسد ، ولعل هناك اهتمام كبير بهذا العلم لرجال الأمن ، ورجال التسويق والمبيعات ، لما يمثله من أهمية في تحقيق أهدافهم ومبيعاتهم
و يولي القرآن الكريم النظرية السيمائية اهتماما وعناية فائقة فورد في شأنها عدة نصوص نورد بعضا منها : " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم " ... محمد (٣٠) ، " يعرف المجرمون بسيماهم " ... الرحمن (٤١) ، " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم " ... النحل (٥٨) .
هذه الآيات وغيرها تشير إلى انه من خلال استجلاء سيما وقسمات وجه الانسان فإننا نحصل على ما يعتمل في داخل أعماق نفسه ، وما يستكن بين جوانحه ، فالوجه ترجمان النفس ، وجاء العلم الحديث بنظرياته وأبحاثه ليؤكد ذلك ومن امثلة ذلك اختراع جهاز كشف الكذب ، واهتم الفلاسفة بالنظرية السيمائية فها هو جابلورد هاروز يقول : إن وجهك رسولك إلى العالم ، ومنه يمكن أن يتعرف الناس على حالك ، ويقول الفيلسوف ايمرسون : إن العيون تنطق بكل لسان ، ولا تحتاج في حديثها إلى ترجمان .
وقد يتساءل البعض لو كان الأمر كذلك فلماذا نجد فردا يخدع أفرادا ، بل جماعة ، وهم له مصدقون ، وبخداعه مستمتعون ، وبكذبه وغشه راضون ، وبالآمال حالمون ، وبالمستقبل والغد منتظرون !! .
إننا في مثل هذه الحالة وما شابهها أو ناظرها نجد أنفسنا بين ثلاث احتمالات وهي أنهم قوم بسطاء سذج ، أو المخادع بارع في اتقان دوره ، او كلا الاحتمالين معا .
ولعل قول ابن تيمية يوضح لك ما لبس عندك ،
ذئب تراه مصليا فإذا مررت به ركع
يدعو وجل دعائه ما للفريسه لا تقع
فإذا الفريسه خليت ذهب التنسك والورع
مدير إدارة الطب الوقائي بمديرية الطب البيطري بقنا .