متى نلغى التوزيع الجغرافى بالجامعات؟

هل يقوم المجلس الأعلي للجامعات بتقييم تجربة التوزيع الجغرافي في الجامعات التي أري أنها في حاجة إلي إلغائها، وترك الحرية للطلاب في أن يلتحقوا بأية جامعة حكومية دون التقيد بمحافظة مولدهم لأن الطلاب يشبّون في مدارس ابتدائية مع أقاربهم و"بَلَدِيّاتهم" ثم ينتقل هذا الفريق إلي الإعدادية فالثانوية فالجامعة دون أن يختلط هذا الطالب بأقرانه من المحافظات الأخري ويتعرف علي عادات وتقاليد وتفكير زملائه من باقي محافظات مصر، أما أن نتركهم في محافظاتهم حتي يتخرجوا من جامعتهم فإن هذا يجعل الجامعة امتدادا للمجتمع الذي يؤثر فيها بدلا من أن تقوم الجامعة بتطوير المجتمع والتأثير فيه. وأذكر أنني عندما كنتُ عميدا لكلية الآداب بقنا تقدَّم لي الطلاب لتكوين ثلاث أُسَر جامعية تتبع اتحاد الطلاب آنذاك وقد استوفت الشروط؛ فالطلاب من أقسام مختلفة ومن محافظات الصعيد ومن فِرَق متعددة وتضم كل أسرة بنين وفتيات؛ لكن لفت نظري خلوّ هذه الأُسر من طالب قبطي واحد.
ووجدت أن أسماء الأسر أسماء هلامية "الأمل، التفاؤل، الغد" وبعد فحص اكتشفت أن هذه الأسر قد تشكّلت علي أساس قَبَلي فواحدة للأشراف وأخري للعرب وثالثة للهَوّارة؛ وهذه القبائل الثلاث تعد من أهم قبائل الصعيد وأشهرها لأفاجأ أن الطلاب قد جمعوا أقاربهم في أسرة واحدة؛ وهنا أدركت أهمية نشر ثقافة "التنوير" والانتماء إلي مصر الوطن الكبير وزَرْع هذه القيم في نفوس الطلاب؛ لذا فإن هذا التوزيع الجغرافي يعمّق هذا التعصب القَبَلي وينمّيه، وفي مشكلات الثأر القبلي نكتشف غياب بعض الطلاب عن الامتحانات خوفا من تعقّبهم في الطريق للجامعة فيضحّون بالسنة بدلا من التضحية بالحياة. فهم ينقلون حكاوي "منادرهم" ومشكلاتهم القبيلة إلي الجامعة. وقد يقال إن التوزيع الجغرافي يجعل الطالب أمام أعين أهله مراقَبا فلا ينضم إلي قوي متشددة لكن الواقع يكذّب هذا المؤمّل، فمعظم هؤلاء المتشددين من محافظات معينّة وُلدوا فيها وتعلموا فيها حتي تخرجوا من جامعاتها دون أن يبرحوها لمحافظة مجاورة والأسماء كثيرة لمن يوّد. ومن الممكن حصر أسماء المتشددين في كل محافظة ومعرفة ما إذا كانوا قد تغرّبوا في تعليمهم عن محافظاتهم أم لا؟
وقد يقال إن تقليل الاغتراب يقلل النفقات لكن رسوم المدن الجامعية واحدة في جميع المحافظات وأسعار الكتب والمذكرات تكاد تكون متطابقة، ولذا فلا وجه لهذا الرأي.
إن الطلاب لو تغيّرت أماكن تعلّمهم بعد الثانوية في منافسة علمية مع أقرانهم من المحافظات الأخري لكان أفضل وأجود، ولسْنا بدعا في هذا فالتلميذ في الثانوية الألمانية يلتحق بجامعة خارج ولايته التي نشأ بها، بل إنه في جامعته يمنعه القانون أن يكون معيدا أو مدرسا بكليته أو جامعته التي تخرج منها وإنما يفرض عليه القانون أن يتقدم لشغلِ هذه الوظيفة في جامعة أخري غير الذي درس بها، ويري المجتمع الأوربي أن تعيين خريج الجامعة في جامعته أشبه "بزواج المحّرمات" لذا جرّمه القانون.
ليس عيبا أن يتراجع المجلس الأعلي للجامعات عن قرار قديم أخذه وتبيّن عدم جدواه، وليس معني هذا منْع إلحاق الطلاب بجامعات في محافظاتهم بل يترك لهم الأمر اختيارا لا إجبارا. ومن الطريف أنه في اجتماع قريب لنواب رؤساء الجامعات المصرية لشئون التعليم والطلاب طرحتُ إلغاء فرض التوزيع الجغرافي علي طلاب الثانوية العامة طالبًا أن يلتحق طالب الإسكندرية بجامعة القاهرة وطالب القاهرة بجامعة أخري وطالبة المنصورة تلتحق بجامعة في الصعيد وربما تتزوج فقال الدكتور أشرف حاتم أمين عام المجلس لو تزوجت بنت المنصورة بصعيدي ستخلّف صعيديا أيضا.
نائب رئيس جامعة جنوب الوادى لشئون التعليم والطلاب