بوابة صوت الصعيد

”من الفِطرة إلى الفُرجة .. كيف تحوّلت مناسباتنا إلى عبء اجتماعي؟! ”

الأحد 18 مايو 2025 07:42 مـ 20 ذو القعدة 1446 هـ


بقلم- الدكتور أيمن عبد العظيم:

أحد أخطر معالم تغيراتنا الاجتماعية، هو تغير نوايانا، والنية محلها القلب، ولكن يستدل عليها من الفعل، لم تعد النوايا الناس صادقة، أو لم يعودوا عاكفين بصدق على تحقيق أهدافهم الخاصة من مناسباتهم الاجتماعية، فتراهم ربطوا مناسبات دورة الحياة كالميلاد والزواج والوفاة بأبعادٍ اجتماعية جديدة، فباتت هذه المناسبات تحديًا اقتصاديًا واجتماعيا كبيرًا، بعد أن كانت تُجرى مراسمها بأقل القليل، دون تهوين او تهويل.

لم يعد الاحتفال بالسبُّوع، أو عيد الميلاد حدثا شخصيًا أو عائليًّا يقتصر على الأسرة، تعد فيه الأم "صينية كنافة" شهية، أو حدثًا لطيفًا يجتمع له الجيران المعدودون أو الأقارب المقربون، بل باتت حفلات تحجز لها القاعات، وتلتقط فيها الصُّور، ويُعدُّ لها الطعام، فلا هي اجتماعية يجتمع فيها الأقارب والأهل، وينفق فيها الناس كلٌّ حسب قدرته، ولا هي دينية تنطوي على التصدق على المحتاجين والإنفاق على المساكين، بل باتت فرصة للظهور الاجتماعي، والإنفاق من أجل أن يقال كذا أو كذا.....

 وفي الزواج يتأخر الشاب طويلا حتى يتزوج، ويقضي شطرا طويلا من حياته حتى يشتري شقة، ثم يتفاوض كثيرا مع أهل العروس على مبلغ الشبكة، ثم يغوص في بحر التجهيزات المادية لحفل الزفاف، وما أدراك ما حفل الزفاف؟ في زماننا باتت نفقات الحفل وحدها تساوي ما ينفقه الشاب في مرحلة من مراحل زواجه كالشبكة أو الأثاث أو غيرها، لماذا هذا كله، من أجل أن يقال عنهم أنهم كرماء أو أغنياء أو غير هذا مما يرجون قوله.

وفي العزاء لم يعد المأتم بسيطا يجتمع فيه الناس يعبرون عن حزن عميق،  ولم يعد الجيران يتجاذبون أهل الميت يطعمونهم إفطار أو غداء أو عشاءً، كان الناس يشعرون بما يشعر به اهل الميت، يقولون كفى ما هم فيه من مصيبة الفقد، فيخففون عنهم الطعام والشراب ومصاريف العزاء، أما اليوم فتخلو مناسبة العزاء من الحزن الحقيقي، والدعاء الصادق، توارت الوجوه الصادقة، وبرزت وجوه المظهر الاجتماعي في إقامة أكبر السرادقات، وتوزيع السجائر والمشروبات،  ليكتمل قبح المشهد بالأحاديث الجانبية التي تتداولها ثلة هنا أو ثلة هناك.

لم نكن في الماضي ننفق كثيرا من أجل أن نفرح قليلا، لم يكن لنا هدف في المناسبة سوى مصلحة صاحب المناسبة، لم نكن معنيين كثيرًا بما يُقال، أو بما يُراد أن يقال.

كنا صادقين في فرحتنا، مكلومين في أحزاننا، كانت حبات الفول النابت تسعد الأسرة في احتفالية السبوع، وترسم على وجهها البهجة الكبيرة، وكانت نقوش الحناء في أفراحنا تملأ الصورة فرحة وسعادة، حين ينسجم الناس مع الأغاني الشعبية التي تغنيها النساء في الأفراح أكثر من انسجامهم مع أي فرقة عصرية، حتى وجداننا تغير، لم تعد لأكواب الشربات جاذبية معلبات البيبسي.

  بات الهدف من مناسباتنا الآن هو العمل من أجل ما سيراه الناس، أو ما سيقدم للناس، وفي سبيل ذلك يعلم الله مقدار ما ينفقه أصحاب المناسبات، ويعلم سبحانه مقدار العبء الاقتصادي والاجتماعي الواقع على كواهلهم.

ماذا لو عدنا لثقافتنا؟ ماذا لو احتمينا بعاداتنا؟ ماذا لو  تعممنا بتراثنا وتحصنَّا بتقاليدنا؟ ماذا لو رجعنا إلى ما كنا عليه من عناصر هويتنا من ملابس وأطعمة وأدوات؟ بالتأكيد سيقل إعجابنا بصورنا القديمة.