بوابة صوت الصعيد

الحياد  وهم  !!!

الجمعة 9 مايو 2025 11:53 صـ 11 ذو القعدة 1446 هـ

بــقــلـم - د.محمود العبد حسن :            
 

الحياد او الوسطية ، أو بين البين هى متردافات لنفس المعنى تقريبا،فى خطابنا الثقافى او موروثنا الأجتماعى استنزاف مكثف للوسطية،واستدعاء متكرر للحياد او الوسطية من قبل رجال السياسة أو رجال الدين او علماء النفس وأهل الاخلاق،فهل معنى ذلك أن الوسطية او الحياد فضيلة مثلى بلا آثام او شرور؛وهى العلاج الناجع والترياق الشافى لكل امراضنا وعللنا.

دعنى احدثك عن وجه بغيض ومقيت للوسطية او الحياد،أو لنقل نضع الأمور فى نصابها ونوزن الأمور من جميع الأوجه دون تحييز أو تمييز ونتخلى عن أحكامنا المسبقة أولنرتدى عدسات المعرفة حتى ننظر فى الأمر ونعيد تقييمه بعد أن يضىء نور المعرفة عقولنا ويسطع شعاع الحق أمام أبصارنا.

الحياد مصطلح غامض ومضلل يستخدمه أصحابه حسب الحاجة ووفق مصالحهم الذاتية،فالحياد كذبة وملابس شفافه يرتديها غالبا الضعفاء والجبناء وأصحاب المصالح.

فالحياد فى معارك الحق والباطل ليس إلا انحيازاَ ضمنىا للباطل،وانضماما خفيا والتحاقا بصف الطغاة والظلمة،وهذا ما عناه "فرانسيس بيكون":" الوقوف على الحياد فى الصراع بين القوى والضعيف لا يعنى الحياد ولكن يعنى الوقوف مع القوى".

الحياد مرحلة مؤقتة،بعد ذلك يبدأ الناس تدريجيا بالتطبيع والتألف مع الرذيلة؛ولذلك يحذرنا الله :"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار".

الصمت هو احد صور الحياد الخادع؛فالصمت هو كتم للشهادة وعدم النطق بها خشية الأذى أو خشية الناس،يقول جل وعلا:"ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"،ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:"لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بالحق إذا شهده أو علمه"،وقديما قالوا:"الساكت عن الحق شيطان أخرس. 

بدل من الحياد الكاذب يوضح لنا القرآن كيفية التصرف والتعامل حين يكون المعركة او الخلاف بين من احبائنا أو أخوتنا أو بنى جلدتنا:"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا  فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ الى امر الله".

ويحدثنا "ابراهيم السكرى" فى كتابه "سلطة الثقافة الغالبة" عن أن المشكلة أن "الوسطية" فى القرآن ليست وسطية واحدة،بل هى وسطيتان:وسطية مطلوبة،ووسطية مرفوضة.

من الوسطية المطلوبة تلك الآيات التى نقرأها عشرات المرات يوميا وندعو بها فى كل صلاة: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)،فكانت الوسطية خطا مستقيما بين المغضوب عليهم وبين الضالين،كالتى نجدها بين الإسراف والتقتير "ولا تجعل يدك مغلولة ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا". وكذلك فى قوله:"ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وأبتغ بين ذلك سبيلا".

هناك نوع أخر من الوسطية المرفوضة،للاسف يتجاهلها كثر ويتغافل عنها غالبية الناس وجلهم من المأسورين لسلطة الثقافة الغالبة.
 ويبرز القرآن تلك الطائفة عند حديثه عن الصراع القائم بين فسطاط الأيمان وفسطاط الكفرفيقول: "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء".

أصحاب "الوسطية المرفوضة"تجدهم دوما يحاولون أن يحسنوا العلاقات مع أهل الحق وخصومه،ويدعون أنهم "يبنون جسور العلاقات مع جميع الأطراف"،ويلعبوا على جميع الأحبال

"ستجدون أخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها".

هؤلاء الوسطيين هم فى الأصل "نفعيين" أو "برجماتيين" فى حدهم الأقصى،يدورون متى كانت حاجتهم ويميلون حيث مصلحتهم تتوجه بصرف النظر عن المبادئ والقيم فيقول الله عنهم: "الذين  يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين".

واسوء أفراد تلك الوسطية هى تلك الفئة التى تنتقى من الآيات والأراء والاحكام ما يوافق فريق السلطه او الجاه او اصحاب الثراء او اصحاب الضلال،وتطرح كل ما يخالفهم من اجل تحاشى غضبهم وسعيا لنيل رضائهم،لقد ندد القرآن بتلك الوسطية"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض".الوسطية المطلوبة هى الوسطية التى تجدها دوما"حق بين باطلين"،أما الوسطية المفروضه فهى "وسط بين الحق والباطل".

ان معركة طوفان الأقصى كشفت عن فئة الوسطية المرفوضة  او الحياد المقيت او الخادع،فإنه فى حده الأدنى ان لم ينصر الباطل لكنه خذل الحق. 

فطوبى لأصحاب المواقف لا أصحاب الحياد..
 لأصحاب المبادىء لا أصحاب المصالح..
فثمن المواقف والمبادئ باهظ ومكلف جداَ.
وهنا يكمن الأيمان والتحدى..
طوبى للقابضين على الجمر.. رافضين الأنحناء والتلون.