بقلم د. محمود العبد حسن

يقول كاتب الشباب احمد خالد توفيق،  في روايته يوتوبيا :" ضع ست دجاجات فى عشه صغيرة ، وراقب كم تصير مهذبة, لو أن دجاجة واحدة لم تفقأ عين جارتها أو تلتهم أحشائها ، فأنا مخطئ ....انه أخلاقيات الزحام. أثبتت تجارب علوم الاجتماع والنفس والبيولوجيا أن الحيوانات تتوتر وتسوء أخلاقها ، ويضطرب سلوكها ،وتكتسب صفات وعادات عدوانية ، اذا كدست مع بعضها فى مكان ضيق ،لذا فأن قواعد وشروط التربية الصحية السليمة تتطلب توافر مساحه معينه لكل حيوان ،ولابد من تواجد عدد معين من الحيوانات لكل حظيرة وفقا لمساحتها الكلية .

متلازمة الزحام قد تفسر لنا بعض السلوكيات السيئة والظواهر الاجتماعية الرديئة ، كارتفاع نسب حوادث القتل والسرقة فى الأونه الأخيرة ، وبروز وطغيان لظاهرة الآنا والأنانية وعباده الذات والنرجسية المرضية. يحرص فقهاء القانون على ضرورة النص باحترام الخصوصية وحق الإنسان فيه

ولكن هذا الحق معطل وغير قابل للتشغيل فى المجتمعات المزدحمة . نرى الزحام ونعانى من أخلاقه فى مجتمعاتنا وشوارعنا ، نراه فى ماكينات الصرف الآلى للبنوك ؛ بمحطات المترو ووسائل النقل والرحلات الجماعية ، فى مطاعم الاوبن بوفيه،فى مدن الألعاب الترفيهية. يحرص الدين الأسلامى على منع الزحام ويشجع عدم التزاحم،تجنبا لظهور أثاره وعواقبه الوخيمة ؛ فها هو يترك استلام الحجر الأسود وتقبيله بمناسك الحج والعمرة متى كان الزحام شديدا ، ويكتفي بالإشارة إليه من بعيد . وجعل التوسعة في المجالس من أسباب تثبيت المحبة فى صدر أخيك ، ووضع قواعد للتعامل مع التزاحم فى الصلاة ؛ فجعل عند المزاحمة المأموم في السجود اكتفى بالسجود على ظهر أخيه،جلبا للتيسير ودفعا للمشقة.

إن أخلاق الزحام لها قوة جاذبه لا تستطيع الانفكاك منها ، أو الصمود أمامها، أو الوقوف فى وجهها ؛ بدون خلق مساحة خاص هلك تحافظ فيها على أعصابك وسلامك النفسي على المدى البعيد ،فمن هنا كانت العزلة والخلوة رياضه روحيه تعبدية لرجال الدين والصالحين وأصحاب الأخلاق حيث تكون فرصه لاستجماع القوى والتقاط الأنفاس من الحياة وزاحمها .

لقد أحسنت الدولة المصرية صنعا بالعمل على تخطيط وإنشاء عدد المدن الجديدة،كحل منها للزحام ،وحرصا منها لمنع أخلاقه ، لذلك نأمل حين شغلها بسكانها الجدد نصيحتهم بضرورة تخلصهم من أخلاق الزحام المكتسبة سلفا كما يتخلصون من متاعهم القديم.