بقلم: د. محمود العبد حسن

" واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك ، قال إنما يتقبل الله من المتقين " ... المائدة (٢٧) . نفس صراع أبيهم آدم مع إبليس في صورة ومشهد جديد ، فها هو مرض القلوب كما استحوذ على إبليس ، فحرمه الطاعة ، وطرده من الجنة ، وأمسى من الآبقين ، فقابيل لم يتعلم من درس الماضي ، فيخرج نفسه ضغائنها وتحيط به خطيئته ويتجرد من إنسانيته ويقتل أخاه بدون ذنب اقترفه ، لم يبادله بالقتل إلا سلاما ، وبالكره إلا حبا ، ليبوء بذنبه وتطارده الخطيئة ويلحقه العار .

إن التنافس في صورته الشرعية محمود ، ولا مناص منه لإعمار الأرض وإصلاحها ، ويدعو إليه الإسلام ويرغب فيه " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " . التنافس طريق وعر في مسلكه ، مملوء بالأشواك على حوافه

 إن صار التنافس صراعا ولم يتزين بالأخلاق ويغلف بالأدب ، صار قتالا ، أمسى الجميع صرعى فيه . لابد ان يعلم المتنافسون أن الايام دول ، ترح هنا ، وفرح هناك ، وعلى الفائز ألا يبالغ في نصره ، وعلى المهزوم ألا يغرق فى حزنه . تشرشل وقت صلحه مع الألمان يخطب فيهم : حربنا لا رابح فيها ، فكلنا خاسرون ، لجبر كسرهم .

وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول للمسلمين قبل دخول عكرمه ابن أبي جهل عليهم :" ها هو عكرمه أقبل إليكم فلا تؤذوه بأبيه ، فإن لا يصل إلى الميت ويؤذي الحي" .

وها هو العباس عم النبي (صلى الله عليه وسلم) يمسك بيد أبي سفيان ويطلب من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن ينزله منزلته ، وها هو سيدنا يوسف يقول لأخوته :" لا تثريب اليوم عليكم يغفر الله لي ولكم " ... يوسف .

يقول أحمد خيري : يعلمنا القرآن إن في حياة كل منا يوم بدر ، وفي حياة كل منا يوم أحد ، ويضع لنا الأسلوب للتعامل في كلا الحالتين ، فيقول في يوم بدر :" ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذله فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ... آل عمران (١٢٣) ،

يطلب التواضع وعدم المبالغة في النصر ، ولكن في يوم أحد يأتي القرآن ليجبر كسر المؤمنين :" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس " ... آل عمران (١٣٩، ١٤٠) .

يعلمنا القرآن الكريم أن النصر يتطلب محاسبة للنفس وبقوة حتى لا تسقط في فخ الغرور ، وأن الهزيمة تحتاج إلى جبر خاطر المهزوم حتى يعد إلى الضفة الأقوى دون أن يسقط في فخ المظلومية والمؤامرة .