بقلم د. محمود العبد حسن

هل نحن أسرى لعاداتنا الوراثية ؟ أم نحن قادرون على خلق عاداتنا؟,هل المهارة تكتسب أم توهب؟, هل الطبع ضد التطبع؟,

إنها اسئلة قديمة حديثة، شغلت الفلاسفة و علماء النفس و الاجتماع عشرات القرون ؛ اشتد فيها الصراع بين الوراثيون أو الطبيعيون من جهة ،و البيئيون أو التنشيئيون من جهة اخري,

إنها قضية السلوك الانسانى حيث كانت للنظرية الدارونية أول حجر ألقى فى تفسير السلوك البشرى وتلاها قوانين الوراثة ،و ما تلاها من معرفة الجينوم البشري و مدي تأثيره على السلوك الانسانى

 ان الصراع قديم جدا و يمكن معرفة ذلك فى أشعار العرب، فها هو أحدهم يؤيد الطبع فيقول :
و مكلف الاشياء غير طباعها       متطلب فى الماء جذوة نار
و اخر مع التطبع فيقول:
و ينشئ ناشئ الفتيان فينا         على ما كان علمه أبوه

و راج فى القصص ما يذهب الى ذلك الاتجاه او ما يخالفه، و لعل ما رواه الأصمعى عن قصة الشويهة التى أشفقت على ذئبا يتيما فأرضعته حتى شب كبيرا فهجم عليها ليلا فعقر بطنها متناسيا ما فعلت من أجل حياته و غلب عليه سوء طبعه.
و ها هو الرسول الكريم يقول "من يتصبر يصبره الله , و من يستعفف يعفه الله, و من يستغنى يغنه الله".

و لعل فى قصة سيدنا موسي و الخضر دليلاً آخر، فموسي كليم الله لم يصبر على أفعال العبد الربانى، و غلبه طبعه فحنث يمينه لصعوبة الاختبار و قسوته و هو ما عناه الخضر بقوله "و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا".

أنا لا أدعى اننى أملك لكم جوابا شافيا ،أو ردا نهائيا فى تلك القضية ، و لكن أكاد أجزم أن التطبع يمكن أن يخلق الطبع فى مرات كثيرة ،و إن فشل كثر فى تحقيق ذلك فالعلة فيهم و ليست فى التطبع ، فالعلم الحديث ذهب مذهبا وسطا حيث لم يعد الطبع ضد التطبع ، بل ثبت أن الطبع عبر التطبع, فالجينات مخلوقة لتعمل طبقا للتطبع حيث أن الجينات أصبحت دمى تحت سلوكك.
 

و لعل فى الرياضة و ممارسيها و من نبغوا فيها دليلا على أن التطبع يمكن أن يغلب الطبع ، فكم من مواهب و افذاذ اختفت و لم تترك رصيدا كما تستحق عندما لم ترعى مهارتها ، و على النقيض نرى اكفاء تطبعوا محاسن زينوها بكثير من الارادة و الالتزام فكانت لهم الغلبة و الصيت و النجاح

 فى النهاية انت مخير و لست مسير و القرار قرارك.

مدير الطب الوقائى بمديرية الطب البيطرى بقنا