الدايم الله يابوى

بينما كنا ندفن أحد الموتى من أهل قريتنا ، والجمع صامت كصمت القبور التى تحيط بنا ، وبين الحين والآخر ينطلق صوت ابن المتوفى " الدايم الله يابوى ، ياخراب بيتنا من بعدك يابوى " ويرد عليه احد أقاربه بصوت مرتفع " حاقعد مع مين تانى يابوى ؟! مين حيونسنى بعدك يامليح ..مين حيعدِّل عليا بعدك .. مين حينصحنى ويقوللى اعمل كدة واعمل كدة !! ياقليل المصيخة يابوى !!
وفى غمرة الإنشغال بدفن الجثة ، جلسا اثنان من أهل القرية على حائط قبر قديم ، وجلست بجوارهما ، يمسك كل منهما مسبحة بخاخيب يورد عليها ، وكانا يتهامسان على طقطقة المسابح ، وكأنهما يسبحان الله بين القبور ، سمعت همسهما ، قال الأول على طقطقات مسبحته :-
- أومّال مارحتش لصاحبك ؟! دا النهاردة عما يصُب ، ثم تبعته صوت المسبحتين :
- طَق .. طَق
- والله ماعارف بيجيب الفلوس منين الحزين ده ؟!
- طَق طَق
- يعنى حيجيبها منين ، يالقايا يامخدرات ، ياسلاح !!
- طق .. طق
- دا غير اللى مضيّعه ع الحريم
- طق.. طق
- ياخى مش حيبطل النجاسة أبداً
- طق .. طق
- والله ربنا ماعمّا يدى غير الفاسد والظالم
- طق .. طق
- ياراجل هو عمره دخل جامع ، ولاحيورد على جنة
- طق .. طق
- استغفر الله العظيم ، احنا قاعدين فى جبّانة
وبينما هما يتهامسان ، شق همسهما صوت عم "شحتو" الفحّار" ... الفاتحة !! وبعد أن قرأت الناس الفاتحة ، انطلق عم "شحتو " بصوت مرتفع :
- يارحمن .. يارحيم – يارحمن.. يارحيم .. وانطلق وراءه الناس يهيلون التراب على قبر المتوفى ، مرددين بصوت واحد : يارحمن.. يارحيم ..يارحمن ..يارحيم
بينما صدى صوت إبن المتوفى مازال يتردد بين القبور فى وَهن وذبول : الدايم الله يابوى !! مختلطاً بطقطفات المسابح ..طق .. طق .. طق !!